responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 23
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا السَّنَةُ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا النِّدَاءُ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ السَّنَةُ التَّاسِعَةُ مِنَ الْهِجْرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً وَالْعَيْلَةُ الْفَقْرُ يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً إِذَا افْتَقَرَ، وَالْمَعْنَى: إِنْ خِفْتُمْ فَقْرًا بِسَبَبِ مَنْعِ الْكُفَّارِ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْفَضْلِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: قَالَ مُقَاتِلٌ: أَسْلَمَ أَهْلُ جُدَّةَ وَصَنْعَاءَ وَحُنَيْنٍ، وَحَمَلُوا الطَّعَامَ إِلَى مَكَّةَ وَكَفَاهُمُ اللَّهُ الْحَاجَةَ إِلَى مُبَايَعَةِ الْكُفَّارِ. وَالثَّانِي: قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلَ اللَّهُ ما يوجد من الجرية بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَغْنَاهُمْ بِالْفَيْءِ. الثَّالِثُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، وَكَثُرَ خَيْرُهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِخْبَارٌ عَنْ غَيْبٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزْمِ فِي حَادِثَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُطَابِقًا لِذَلِكَ الْخَبَرِ فَكَانَ مُعْجِزَةً.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ شاءَ وَلِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ فَيَقُولَ: الْغَرَضُ بِهَذَا الْخَبَرِ إِزَالَةُ الْخَوْفِ بِالْعَيْلَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ مِنْ إِفَادَةِ هَذَا الْمَقْصُودِ، وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَحْصُلَ الِاعْتِمَادُ عَلَى حُصُولِ هَذَا الْمَطْلُوبِ، فَيَكُونَ الْإِنْسَانُ أَبَدًا مُتَضَرِّعًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي طَلَبِ الْخَيْرَاتِ وَدَفْعِ الْآفَاتِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ تَعْلِيمُ رِعَايَةِ الْأَدَبِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الْفَتْحِ: 27] الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ حُصُولَ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَكُونُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَفِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي دُعَائِهِ: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ [الْبَقَرَةِ: 126] وَكَلِمَةُ «مِنْ» تُفِيدُ التَّبْعِيضَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنْ شاءَ المراء مِنْهُ ذَلِكَ التَّبْعِيضُ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَيْ عَلِيمٌ بِأَحْوَالِكُمْ، وَحَكِيمٌ لَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ إِلَّا عَنْ حِكْمَةٍ وَصَوَابٍ، والله أعلم.

[سورة التوبة (9) : آية 29]
قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (29)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله أُوتُوا الْكِتابَ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ فِي إِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ عَنْ عَهْدِهِمْ، وَفِي إِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ عَنْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَفِي وُجُوبِ مُقَاتَلَتِهِمْ، وَفِي تَبْعِيدِهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَوْرَدَ الْإِشْكَالَاتِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَأَجَابَ عَنْهَا بِالْجَوَابَاتِ الصَّحِيحَةِ ذَكَرَ بَعْدَهُ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنْ يُقَاتَلُوا إِلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَحِينَئِذٍ يُقَرُّونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بِشَرَائِطَ، وَيَكُونُونَ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِذَا كَانُوا مَوْصُوفِينَ بِصِفَاتٍ أَرْبَعَةٍ، وَجَبَتْ مُقَاتَلَتُهُمْ إِلَى أَنْ يُسْلِمُوا، أَوْ إِلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.
فَالصِّفَةُ الْأُولَى: أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ يَقُولُونَ: نَحْنُ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ إِلَّا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ أَكْثَرَ الْيَهُودِ مُشَبِّهَةٌ، وَالْمُشَبِّهُ يَزْعُمُ أَنْ لَا مَوْجُودَ إِلَّا الْجِسْمُ وَمَا يَحِلُّ فِيهِ فَأَمَّا الْمَوْجُودُ الَّذِي لَا يَكُونُ جِسْمًا وَلَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 23
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست